د. عبدالله صادق دحلان
رغم الطفرة العمرانية والسياحية في العديد من دول المنطقة مثل مصر والإمارات وتركيا، لا تزال المصايف السعودية ذات الطقس المعتدل والمناظر الطبيعية الخلابة تعاني من غياب مشاريع التطوير العمراني السياحي التي تلبي احتياجات الأسر السعودية والخليجية الباحثة عن أجواء باردة في الصيف.ومن أبرز الأمثلة الإقليمية الناجحة، مشاريع التطوير العقاري على الساحل الشمالي في مصر، الممتد من الإسكندرية إلى مرسى مطروح، والذي يضم أكثر من 700 مشروع سياحي وسكني، هذه المشاريع، مثل «مراسي» و»هاسيندا»، تقدم وحدات صيفية مدعومة بتمويل طويل الأجل، وتستهدف بشكل أساسي الزوّار من دول الخليج، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 60% من المشترين في الساحل الشمالي هم من غير المصريين.
وكذلك الحال في مشاريع البحر الأحمر في الغردقة والجونة، حيث نما الطلب بنسبة 18% في عام 2023، بدعم من الحكومة والقطاع الخاص، مع تركيز واضح على تقديم كافة التسهيلات للمستثمرين والمصطافيوفي الإمارات تحديدًا في دبي، أصبحت المشاريع العقارية السياحية تمثل أكثر من 40% من إجمالي العقارات المباعة عام 2024، مستفيدة من التسهيلات التمويلية والاهتمام بالفئات القادمة من الخليج لقضاء الإجازات أو التملك.
ومع الأسف يغيب عن المطورين العقاريين في المملكة التطوير العقاري في المصايف السعودية التي تستهدف الفئة التي تبحث عن الأجواء الباردة وهي فئة كبيره تذهب أحياناً بحثاً عن الأجواء الباردة خارج وطنها، ومع الأسف أيضاً لا تجد الأجواء الباردة المنافسة لمصايف المملكة حتى في معظم أنحاء أوروبا بما فيها سويسرا الأكثر ارتفاعا والأغلى تكلفة، وتشير بعض الإحصائيات الى أن حوالى 78% من الأسر السعودية تنفق أكثر من 40,000 ريال سنويًا على الإجازات الصيفية، وحوالى 1.2 مليون سعودي يمتلكون وحدات سكنية خارج المملكة، أغلبهم اختاروا وجهات توفر مشاريع عقارية قابلة للتملك، بتمويل طويل المدى، وخدمات متكاملة.
وهذا ما يدفعني إلى دعوة المطورين العقاريين لبناء مشاريع عقارية على سفوح جبال الباحة وقراها، وعسير أبها والسودة والنماص، والهدا والشفا في الطائف لتوفير شقق سكنية للبيع مع كامل الخدمات المساندة ببرامج تمويل طويله تسمح لشريحة كبيره من المواطنين لشرائها، وعلى سبيل المثال أن يكون سعر الشقة بخمسمائة ألف ريال تقسيط على عشرة سنوات بمعدل خمسين ألف ريال سنويا وهي قيمة مصاريف إجازة لمدة شهر في تركيا أو مصر لعائلة من أربعة أشخاص بتذاكرهم وتنتهي الإجازة بميزانيتها، ولكن لو وضعت في شراء شقه سياحية في أحد المصايف السعودية تنتهي الإجازة وتبقى ملكية الشقة التي يرتفع سعرها للضعف في نهاية العشر سنوات وهو استثمار للمدخرات، أي أنه يتحول مبلغ تكلفة الإجازة إلى استثمار عقاري يزداد في القيمة، بدلًا من أن يذهب بلا عائد.
إن ما يدفع فئة من المواطنين والخليجيين لقضاء عطلهم خارج أوطانهم هو تملكهم لشقق أو منازل سياحية في أحد مشاريع التطوير العمراني السياحي، وأجزم ان أجواء أوروبا وبعض الدول العربية في الصيف جداً حارة، مقارنة للأسبوع الماضي كانت درجة الحرارة في منتصف النهار في جنيف ٣٤ درجه وكانت درجة الحرارة في النماص في منطقة عسير ١٧ درجه بأجواء غائمة وممطرة.
إن ما دفع الكثير من المواطنين لشراء سكن صيفي لهم خارج وطنهم هو توفر مشاريع التطوير العمراني السياحية وتمويل طويل المدى، وأعتقد لو توفرت نفس المشاريع بنفس الأسعار المناسبة والتسهيلات الائتمانية الطويلة والخدمات المساندة سوف تتغير بوصلة السياحة الخارجية الصيفية وسياحة الإجازات القصيرة خلال العام بشكل كبير، وسيتم تحفيز الطبقة المتوسطة والأقل منها على التملك بدلاً من الاستئجار أو السفر، مما يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية 2030 في تنمية السياحة الداخلية وتوزيع التنمية السياحية على المناطق الجبلية.
بل إنه من الممكن أن نفتح باب التملك أيضًا للمقيمين أو الأجانب وفق ضوابط محددة، ما يعزز الطلب ويرفع من جدوى الاستثمار في هذه المناطق، لاسيما أن سوق المملكة هو أكبر سوق لتسويق مشاريع تطوير العقارات السياحية في مصر وتركيا والامارات.
إن المملكة تملك أجمل المصايف في الخليج والشرق الأوسط من حيث الطقس والطبيعة والارتفاع، لكنها لا تزال خارج خارطة التطوير السياحي العقاري، والفرصة لا تزال قائمة أمام القطاع الخاص وشركات التطوير العقاري السعودية والأجنبية لقيادة هذه الطفرة، وتحقيق عائد اقتصادي واجتماعي واستثماري غير مسبوق.